٢٠١١/٠٩/٢٢

هنا القاهرة

أربعة أيام قضيتها في القاهرة، كفترة راحة بين امتحانات الباطنة و فروعها، و بين العودة لجولة أخرى مع طب الأطفال.

البحث عن الراحة ليس سهلاً، جولتي في القاهرة كانت قصيرة هذه المرة، و أشد ما كنت أحتاجه هو راحة العقل، و صدقاً أحدثكم، انعزالي هذه الفترة عن الانترنت و الأخبار بأنواعها، كان من أهم ما ساعدني على ذلك.


لكن هذا لم يمنع توارد بعض الأفكار في ذهني، و لعل قلمي يترجمها لكم في السطور التالية...



Freedom Writers

"كُتّاب الحرية".. الفيلم من إنتاج 2007م.. شاهدته ليلة سفري، لكنه لم يغادر تفكيري بسهولة..

بإيجاز شديد، الفيلم يتحدث عن معلمة شابة تذهب إلى مدرسة متعدد العرقيات و العصبيات، و تحاول من خلال قراءة التجارب و السير الإنسانية أن ترتقي بطلابها من عرقيات مميتة، إلى أشخاص ذو قيمة في المجتمع.

تتسلسل أحداث الفيلم، و كيف تواجه الصعوبات الإدارية، و تضطر إلى عمل إضافي من أجل توفير الكتب لطلابها من مالها الخاص، ثم تبدأ بتشجيعهم على الكتابة الحرة، عن حياتهم و معاناتهم من مجتمع متعصب. الفيلم مقتبس من قصة حقيقية، لمعلمة و طلابها، تحولت مذكراتهم فيما بعد لكتاب يحمل الفيلم عنوانه، و كتجربة إنسانية و تعليمية، أعجبتني جداً، و تستحق التقدير.

في الأحداث الحقيقية، كان أهم كتابين تأثر بهما الطلاب، هما مذكرات لطفلة ماتت في الهولوكوست، و لطفلة أخرى نجت من حصار سراييفو، كمثالين لما يمكن أن تؤدي إليه التعصب ضد عرق معين، و من الكتابين جاءت فكرة تحويل مذكرات الطلاب لكتاب يدون تجربتهم. الملفت في الفيلم، أنه تناول فقط أحداث الهولوكوست و كيف تفاعل الطلاب معهم، صور زيارتهم لأحد متاحف الهولوكوست، و التقوا ناجيين من المذابح النازية.

في الأيام التالية، تسآلت كثيراً، كيف يتم توجيه السينما لخدمة السياسة لدى الغرب، بينما لدينا فالسينما على تعبير إبراهيم عيسى، أصبحت "سينما حمراء". لم نرى إنتاجات توثق المذابح الإسرائيلية، احتلال أفغانستان، حرب العراق، حرب غزة، كل ما لدينا بعض الأفلام الوثائقية التي لا ترقى إلى العالمية في الغالب.

المضحك في هذا الفيلم، هو الترجمة، كانت تترجم "Holocaust" إلى "إبادة جماعية"، و تترجم "Jews - اليهود" إلى "الغرباء"، و كأنهم بهذه الطريقة يمحي القضية من أحداث الفيلم.



لو أن الجدران تنطق!!

 من الصعب أن تكون في القاهرة دون أن تمر بميدان التحرير أو أحد شوارعه الرئيسية.. كنت آمل أن تكون روح الثورة باقية هناك، مازلت أتذكر أيام الميدان كأنها البارحة..

عندما مررت من هناك، لم أجد سوى الجدران هي التي مازالت مرتدية ثوب الثورة.. في كل مكان مررت به في القاهرة، لابد أن تجد كتابات على جدرانها، تحكي الثورة و أيامها.. لعل هذا بعض ما التقطته عينايْ..

27مايو.. ثورة الغضب الثانية / ثورة أبناء مبارك / الفقراء أولاً / مصر ليست أفغانستان أخرى / اعتصام 8يوليو / We Rule Egypt / يسقط حكم العسكر / لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين / ضربونا في أول رمضان في الجامع / و غيرها الكثير..

عندما أتابع مجريات محاكمة قتلة الثوار، و الشهود و الأدلة الهزلية، تصل إلى حد الاستخفاف بعقولنا.. و عندما أمر بميادين القاهرة، أتمنى لو أن الجدران تنطق.. تخيل معي ماذا لو نطق تمثال الفريق عبد المنعم رياض و روى أحداث موقعة الجمل كما رآها.. أو تحدث الشيخ عمر مكرم - جامعاً و تمثالاً - عن الدم الذي اغتسل به.. أو حضر كوبري قصر النيل و أسوده الأربعة للإدلاء بشهادته عن جمعة الغضب.. تخيل فقط لو أن الجدران تنطق..



معاً ضد الألتراس..

 تواجدت في القاهرة الأربعة الأيام السابقة لمباراة النادي الأهلي و نادي الترجي التونسي.. و خلال تلك الفترة فتحت التلفزيون المصري عدة مرات مصادفة.. و أنا كمواطن مصري، أتبرئ منه و من أفكاره.. في ثلاثة مرات كان الحديث عن الألتراس و شغبهم أو غوغائيتهم..

بعد أحداث مباراة كيما أسوان.. تمت مهاجمة الألتراس بشكل متعمد، ثم أتت أحداث السفارة الإسرائيلية و وزارة الداخلية لتزيد الحديث سخونة، تم ربط كل الأحداث بهم، مع أنهم الضحية..

و يستضيف إعلامنا الرشيد، عدة شخصيات - لا أعرفها صراحة - ليناقشوا هذا الموضوع.. يتحدث أحدهم -"و كرشه طالع قدامه"- : هما شباب كويس، بس يبعدوا عن السياسة.. و يقهقه الآخرون، فيما يتحدث آخر بجدية : دول شوهوا صورة الرياضة المصرية.. يتظاهر المذيع بالغضب، و يؤكد : الملاعب بقت ساحة معركة مش للرياضة..

هؤلاء الشباب أكثر وطنية من كثير من هذه الأشكال، هم تواجدوا في الثورة، هم من دافعوا عن أهالي الشهداء، بينما "سحلتهم" الشرطة.. قولوا ما تريدون.. سيبقى الألتراس رمزاً من رموز الرياضة و ملاعبها.. و رمزاً من ثورة مصر..
دخلة الألتراس في مبارة الترجي .. للمطالبة بحرية زملائهم


هذا بعض ما دونه قلمي عن تلك الرحلة.. أتمنى أن تشاركوني آراءكم..

محمد طاهر أمين

٢٠١١/٠٩/٠٢

القصيدة الدمشقية - نزار قباني

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
الا تزال بخير دار فاطمة فالنهد مستنفر و الكحل صبّاح
ان النبيذ هنا نار معطرة فهل عيون نساء الشام أقداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني و للمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـا وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ و لمـاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها حتّى أغازلها والشعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ؟
خمسونَ عاماً وأجزائي مبعثرةٌ فوقَ المحيطِ وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي حتى يفتّـحَ نوّارٌ وقـدّاحُ
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
والشعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ؟ إذا تولاهُ نصَّـابٌ ومـدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟ وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟