٢٠١١/٠٨/٢٢

صورة أشعة


عاري الصدر في غرفة مظلمة.. وقف أحمد كما قال له فني المعمل.. يظهر الضوء من خلفه و يرى ظله على اللوحة التي أمامه.. ماهي إلا لحظات و يغمر الغرفة نور قادم من بابها.. يأتيه الفني و معه والدته.. ليرتدي ملابسه و يغادر..

سأل أمه - ببراءة طفولية - : "هو أنا كده خفيت؟؟"..

تبسمت ضاحكةً : "لسه هناخد الأشعة و نوريها للدكتور.. و يكتبلك الدوا عشان تخف"..

تأمل أحمد تلك الصورة مبهورًا و هي على مصباح الطبيب.. كيف تلك الورقة السوداء بأطيافها الخافتة.. تحولت لصورة لعظام ترسم قفصه الصدري.. لم تدم تلك اللحظات طويلاً.. فسرعان ما أعادها الطبيب لأمه.. و طمأنها : "مش هيحتاج مضاد حيوي.. يستمر على خافض الحرارة و دوا الكحة.. و هيخف في أسبوع إن شاء الله"..

طوال طريق العودة لم يفلت أحمد الصورة من يده.. يتأملها في مختلف أضواء المحلات و الشوارع.. و يسعد بتلونها بألوان الشارع.. شرح له والده.. كيف أن تلك العظام هي ما تحوي - و تحمي - القلب و الرئتين.. و تلك الكتلة البيضاء في المنتصف هي قلبه.. لم يتخيل أنه من الممكن رؤية تلك العظام بدون أن تكون خارج الإنسان.. كما تعود أن يراها في أفلام "الكارتون"..

بعد عدة أشهر.. ذهب أحمد مرة أخرى لمركز الأشعة.. لكن هذه المرة برفقة أبيه و جده.. يعاني جده في الشهر الأخير من صعوبة بالتنفس.. كما أنه يسعل أحياناً بعض الدماء.. لم يسمح له والده باللعب بالصورة حتى يراها الطبيب أولاً..

في البيت.. تأمل أحمد الصورتين معاً.. كيف قرر الطبيب أنه لا يحتاج لعلاج.. بينما جده يعاني من مرض خطير.. و يتوجب عليه العلاج في المستشفى.. و كذلك إجراء فحوصات أخرى.. هو يرى نفس العظام في الصورتين.. نفس العدد.. نفس الترتيب.. مساحات بيضاء هنا و هناك.. لماذا لا يكتفي جده بذاك الدواء المر..

تمضي الشهور.. و يدرك أن جده يحتضر بسبب سرطان الرئة.. الذي أصبح علاجه صعباً الآن.. كم سمع الدعوات من العائلة ترجو الله الشفاء و أن يخفف عنه آلام المرض..

و مازال هو يتساءل.. كيف تتشابه الصور و تختلف الأمراض؟؟



هي صورة على فيلم أسود
و ليها بين الأبيض و الأسود
ألوان.. على الأمراض تفتن
و على شكلها الدكتور اتعود



محمد طاهر أمين