٢٠١١/٠١/٢٢

تحت المطر



تساقطت قطرات المطر الرقيقة على رأسه، و أيقظته من غفلته المعهودة. ابتسم، وقف يستنشق الهواء البارد و كأنه عبير الياسمين، مع كل قطرة تلمس بشرته، تتسع ابتسامته، يُغمض عينيه و يكاد يُقسم أنه يراها.
 
 
يفتح عينيه فزعًا من صوت الرعد، هذا أول شتاء ممطر منذ فراقهما، قصتهما كلها تحت المطر، لكن هذا اليوم هو أقرب ليوم فراقهما. كانت السماء حزينة، غيومها تكفي لتروي صحراءَ بكاملها، و كان رعدها غاضبًا، و كأنه يرفض فراقهما. بكت السماء، و بكت هي. ارتوت الأرض، و نبتت الأزهار في الربيع، لكن الأرض الأخرى بقلبيْهما جفت و ماتت. 
 
لم يتوقع أن يحبسه المطر في هذا المقهى، دائمًا ما يمر به كل يوم ليقرأ جريدته قبل أن يغادر لمنزله. لم تكن المرة الأولى التي يلحظ وجودها، بدا و كأن المطر قرر أن يجمعهما معًا في ذلك المكان، لا يدري كم طال حديثهما، كلاهما كان يعرف الآ خر منذ أن تلاقت عيناهما.أنكر مشاعره تجاهها كثيرًا، و كم تردد، لكنه الحب، بلا قانون أو توقعات. يمكنك أن تخبئ خبرًا سارًا أو مؤلمًا، لكن الحب، من السهل أن تقرأه في ملامح وجهه أو حديثه، كلما أنكر رفاقه ما هو فيه من "مشاعر طفولية"، أدرك يقينًا أنه يحبها. 
 
غدت الأحلام هي رابطه الوحيد بها، كم يفتقدها، و كأن الأيام تسخر به، و تخبره أن قصتهما لا تنتمي لهذا الزمان، و الهجران هو رفيقه الوحيد الآن، و أن عتاب حظهما لم يكن ليغير شيئًا. حتى النوم أصبح يحاربه الآن، و حاربت نفسه النوم كذلك، فكل ليلة هي ذكرى مؤلمة، و جرح ينزف مع كل خبر يسمعه عنها. تمنى أن يلتقيها اليوم، هنا تحت المطر، ليخبرها كم يفتقد وصالها، و كم تألم، و كيف يراها كل يوم، و كيف تضيع حياتها بين ذكراها. يعصف الرعد مرة أخرى، ليذكره، كان لقائهما و فراقهما تحت المطر، و لكن من أمامه الآن، خيال رسمه هو بين قطرات المطر، و مهما وقف تحت المطر، فلن تعود يومًا.

محمد طاهر أمين

٢٠١١/٠١/١٢

أحببتُها

أحببتُها..فسرقت فكري..
أحببتُها..فأعمت بصري..
أحببتُها..فتتبعت خطاها..

أحببتُها..فقادتني..
قادتني إلى بحر حب هائج..
تقلبت بي أمواج هواها..
عصفت بي أعاصير حبها..

أحببتُها..فرمتني..
رمتني إلى جزيرة عزلة..
أبى طير الود سكنها..
يبس نخلها من بؤسها..

أحببتُها..فرفضتُ..
رفضتُ بعدًا فرضه الزمان..
سأبني مركبًا من شجرة حبي..
ستقودني رياح شوقي..
سأنافس محيط مقبرة العشاق..
سأبدد غيوم ليلة الفراق..

لأهديها قلبًا نبض بحبها..
لأني أنا..
أحببتُها..

 محمد طاهر أمين

٢٠١١/٠١/٠٢

ستبقى الدماء هي الدماء



كانت ليلة رأس السنة الجديدة باردة كعادتها، و كان البرد سببًا كافيًا للبقاء في المنزل.

كلٌ يحتفل بطريقته، أما أنا فكان احتفالي بسيطًا، فقط متابعة الاحتفالات في أنحاء العالم، عقدٌ كامل من الألفية الجديدة، مر في لمح البصر، ما زلت أذكر احتفالات الألفية الضخمة.

أطربتني أنغام كاظم الساهر، في لحظتي هذه، كل عام و أنتي حبيبتي، زيديني عشقًا و غيرها. لم يكن في هذه الليلة الهادئة شيء غير معتاد، حتى ظهر ذلك الشريط، الذي لا أتفاءل به عادةً، و كأن هذا الشريط هو العار الوحيد الذي ارتبط باللون الأحمر في ذهني.

"عاجل" الكلمة الأكبر حجمًا، و قرأت الكلمات تباعًا.

هناك من عاش في هذا العام أقل من نصف ساعة، حمل أمنياته معه إلى قبره، أنهى عامه ليس بالألعاب النارية، و إنما بتفجير إرهابي، هز قلوبنا قبل أن يهز أرضنا مصر.

تلك النيران هزمت ظلمة الليل و برودة الشتاء، تفحمت السيارات، قُتِل الأبرياء، دمائهم خالطت الأرض، و احتضن الشارع مأساته في ذهول، الكنيسة تبكي، و المسجد يبكي، فكلاهما طالته النيران و الدماء، و كلاهما ودع قتلانا في هذه الليلة. 

ستمضي الأيام، و سننسى أو نتناسى، لكن الأرض لن تنسى تلك الدماء، و ربُ هذه الأرض أعدل لهذه الأرواح. مهما كانت حُجّتهم، ستبقى الدماء هي الدماء.

محمد طاهر أمين
1/1/2011