تساقطت قطرات المطر الرقيقة على رأسه، و أيقظته من غفلته المعهودة. ابتسم، وقف يستنشق الهواء البارد و كأنه عبير الياسمين، مع كل قطرة تلمس بشرته، تتسع ابتسامته، يُغمض عينيه و يكاد يُقسم أنه يراها.
يفتح عينيه فزعًا من صوت الرعد، هذا أول شتاء ممطر منذ فراقهما، قصتهما كلها تحت المطر، لكن هذا اليوم هو أقرب ليوم فراقهما. كانت السماء حزينة، غيومها تكفي لتروي صحراءَ بكاملها، و كان رعدها غاضبًا، و كأنه يرفض فراقهما. بكت السماء، و بكت هي. ارتوت الأرض، و نبتت الأزهار في الربيع، لكن الأرض الأخرى بقلبيْهما جفت و ماتت.
لم يتوقع أن يحبسه المطر في هذا المقهى، دائمًا ما يمر به كل يوم ليقرأ جريدته قبل أن يغادر لمنزله. لم تكن المرة الأولى التي يلحظ وجودها، بدا و كأن المطر قرر أن يجمعهما معًا في ذلك المكان، لا يدري كم طال حديثهما، كلاهما كان يعرف الآ خر منذ أن تلاقت عيناهما.أنكر مشاعره تجاهها كثيرًا، و كم تردد، لكنه الحب، بلا قانون أو توقعات. يمكنك أن تخبئ خبرًا سارًا أو مؤلمًا، لكن الحب، من السهل أن تقرأه في ملامح وجهه أو حديثه، كلما أنكر رفاقه ما هو فيه من "مشاعر طفولية"، أدرك يقينًا أنه يحبها.
غدت الأحلام هي رابطه الوحيد بها، كم يفتقدها، و كأن الأيام تسخر به، و تخبره أن قصتهما لا تنتمي لهذا الزمان، و الهجران هو رفيقه الوحيد الآن، و أن عتاب حظهما لم يكن ليغير شيئًا. حتى النوم أصبح يحاربه الآن، و حاربت نفسه النوم كذلك، فكل ليلة هي ذكرى مؤلمة، و جرح ينزف مع كل خبر يسمعه عنها. تمنى أن يلتقيها اليوم، هنا تحت المطر، ليخبرها كم يفتقد وصالها، و كم تألم، و كيف يراها كل يوم، و كيف تضيع حياتها بين ذكراها. يعصف الرعد مرة أخرى، ليذكره، كان لقائهما و فراقهما تحت المطر، و لكن من أمامه الآن، خيال رسمه هو بين قطرات المطر، و مهما وقف تحت المطر، فلن تعود يومًا.
محمد طاهر أمين